دماء الشهداء.. ترسم الطريق من الميدان إلى قصر العروبة

كتب: نبيل عطية

"أدلى الرئيس محمد حسني مبارك زعيم الحزب الوطني الديمقراطي والسيدة قرينته اليوم بصوتيهما في انتخابات الرئاسة بدائرة مصر الجديدة، وذلك كعادة سيادة الرئيس في الحرص على القيام بواجبه الانتخابي في كل انتخابات تجرى على أرض مصر".

عزيزي "المصري" لن تسمع أو تقرأ هذه الجملة صباح هذا اليوم التاريخي -23 مايو 2012-، اليوم الذي ستتذكره مصر، اليوم الذي يوافق أول انتخابات رئاسية "غير معروفة النتائج" ستشهدها البلاد منذ عصر الفراعنة.

جاء هذا اليوم الذي طال انتظاره بعد عام ونصف تقريبا من أول ثورة شعبية حقيقية سلمية تشهدها مصر، ثورة 25 يناير التي شارك بها  الشعب المصري بمختلف طوائفه، ثورة مكنت المصريون من إسقاط نظام الفرعون الذي حكم مصر لمدة 30 عاما. ثورة مدتها 18 يوما شهدت العديد من الأحداث التي لن ينساها المصريون.

 

ليلة أول انتخابات رئاسية يشارك بها المصريون، نتذكر ونذكركم بأهم مشاهد ثورة الحرية، ثورة 25 يناير.. نتذكر ونذكركم بدماء الشهداء.. التي رسمت الطريق من ميدان التحرير إلى قصر العروبة.

 

في يوم 15 يناير 2010 كتبت صفحة "كلنا خالد سعيد" على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك": "النهارده يوم 15 يناير، يوم 25 يناير هو عيد الشرطة يوم أجازة رسمية، لو نزلنا 100 ألف واحد في القاهرة محدش هيقف قصادنا يا ترى هنقدر".

عندما كتبت هذه العبارة بعد أيام من اشتعال الثورة التونسية، لم يتوقع أي مواطن مصري أن تندلع ثورة في مصر، الكل راهن أنها ستكون مظاهرات محدودة لن تأتي بالجديد، وسينجح الأمن في فضها سريعا.

وجاء يوم 25 وإذ بشوارع القاهرة والمحافظات تمتلئ بآلاف المتظاهرين وهتاف واحد: "عيش حرية عدالة اجتماعية". وسرعان ما اتجه المتظاهرون إلى ميدان التحرير الذي أصبح رمزا للثورة المصرية، لتدخل قوات الأمن بعدها بأوامر من "مبارك" ووزير داخليته "حبيب العادلي" لفض هذه التظاهرات.

 

يومي 26 و27 كانت المناوشات مستمرة بين المتظاهرين وقوات الأمن التي كانت تطاردهم بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، وتشن حملة اعتقالات واسعة. تزامن ذلك مع دعوات على شبكات التواصل ليوم "جمعة الغضب"، يوم أن ثار المصريون حقا وملأو الشوارع والميادين في كل مكان في مصر.

 

وبالفعل نجحت الدعوات في حشد الملايين للخروج في كل ميادين مصر، رغم كل المحاولات التي بذلها النظام السابق لإفشال الدعوة عن طريق قطع الاتصالات والإنترنت في كل محافظات مصر.

 

لن ننسى "جمعة الغضب" التي تعالت فيها هتافات المصريون ولأول مرة "الشعب يريد إسقاط النظام".. اللحظة التي توحدت فيها قلوب المصريين على إسقاط فرعون مصر ونظامه. إلا أن نظام مبارك لم يدرك مدى شوق الشعب المصري للحرية، وبدأ في استخدام العنف المفرط لفض التظاهرات، ليسقط مئات الشهداء، مما زاد من إصرار المصريين على مواصلة ما بدأوه والوصول للهدف.. إسقاط النظام.

وبدأ اعتصام الملايين في ميدان التحرير منذ مساء يوم الجمعة 28 يناير بعد انسحاب قوات الشرطة ونزول قوات الجيش، ليخرج مبارك في خطابه مساء هذا اليوم وكأنه لا يدرك ما حدث في البلاد خلال الأيام الأخيرة مشيرا بإصبعه بأنه لا مجال للفوضى، وأنه أعطى البلاد مزيدا من الديموقراطية، لترفع الأحذية في ميادين مصر في وجه "الطاغية".

وفي محاولة يائسة من نظام بدأ يتساقط دبر أعضاؤه بدأ هجوما جديدا على المعتصمين في ميدان التحرير ، هجوم استعانوا فيه بكفار "قريش" والجمال والخيول للدخول إلى الميدان لضرب المتظاهرين فيما سمي إعلاميا بموقعة "الجمل"، ورغم سقوط العديد من الشهداء، إلا أن هذا لم يؤثر على تصميم المصريين بل زادهم إصرارا على مطلبهم.. إسقاط نظام "مبارك".

 

وفي تشبث جديد بالسلطة حاول "مبارك" أن يستعطف المصريين وخرج بخطاب عاطفي، وجد صداه عند البعض بالدموع، ولكنه لم يجد إلا الأحذية المرتفعة في وجهه أيضا من الملايين التي تملأ الميدان.

 

وفي يوم 11 فبراير قررت الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير الزحف نحو القصر الجمهوري لإجبار "مبارك" على التنحي، ليخرج بعدها بساعات "عمر سليمان" نائب الرئيس ويلقي بيان تنحي "مبارك" وتخليه عن السلطة.

 

بإيجاز ذكرنا أنفسنا وذكرناكم بحكاية ثورة.. حكاية 18 يوما غيروا خريطة مصر والعالم.. حكاية دماء شهداء رسمت الطريق من ميدان التحرير إلى قصر العروبة.. 

 

غدا الأربعاء 23 مايو 2012، المصريون يختارون الرئيس.. شكرا شهداء الوطن.. بفضلكم نختار رئيسنا.. لن ننساكم

 

 

 

تعليقات القراء