أحمد عبد الجواد يكتب : لمن لا يعرفه (4) مختصر السيرة النبوية الشريفة

بعد 6 شهور من انتهاء الحصار مات أبو طالب المدافع الأول عنه وظهره الحامى فى مكة، وحزن النبى محمد صلى الله عليه وسلم كثيرًا على وفاته، وبعده بخمسين يوم ماتت خديجة أول المؤمنين بيه وصدره الحنون، وأعتقد أن الاثنين تاثروا بالحصار، وذلك لكبرهم فى السن مما أثر على صحتهم وبالتالى كان قدر الله فى وفاتهم، وسمى الرسول هذا العام بعام الحزن، وأول سيدة من أمهات المؤمنين تزوجها الرسول بعد خديجة كانت السيدة سودة بنت زمعة، وبعدها عقد على عائشة ولم يتزوجها إلا بعد هجرته إلى المدينة.
وفى العام العاشر للدعوة يعنى الرسول قد بلغ الآن خمسين سنة قرر القائد الواعى البحث عن أرض جديدة للدعوة تكون مركزًا جديدًا للدعوة وتنصر الإسلام، فخرج إلى الطائف التى تبعد عن مكة 60 ميلًا، وقطع الرسول هذه المسافة على قدميه ماشيًا، وكل ما يمر على قبيلة فى طريقه يدعوها للإسلام فترفض، واستمر الرسول فى الطائف 10 أيام يدعوهم إلى الله، لكنهم رفضوا دعوته وأغروا العبيد والأطفال فضربوه بالحجارة حتى أدمت قدماه، وظلوا وراءه حتى وصل إلى حديقة لرجل من قريش اسمه عتبة بن ربيعة، هنا دعى الرسول بدعائه المشهور: اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى، إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تَنزل بى غضبك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله" هنا نزل جبريل ومعاه ملك الجبال ينتظر الرسول ليأمره فيهد مكة كلها، لكن الرحمة المتجسدة فى الرسول جعلته يقول: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا".
هنا كان يجب أن يكون هناك دعمًا إلهيًا للرسول ليستطيع أن يكمل المهمة، تفتكروا ماذا كان الدعم، لقد جلست أفكر كثيرًا ما الذى كان يحتاجه الرسول فى هذا الوقت بالتحديد ليستطيع أن يكمل دعوته، ووصلت إلى إنه كان محتاجًا للتثبيت أكثر من أى شيئ آخر فى الحياة والعجيب إن التثبيت لم يكن فى مكة، لكن فى مكان آخر بعيييد ومهم كان فى القدس، كانت رحلة الإسراء والمعراج المدهشة، تخيلوا معى الموقف الرسول فى بيته وأمين الوحى جبريل يأتيه ومعاه البراق وسيلة المواصلات الإلهية، تبدأ الرحلة من مكة إلى القدس فى لحظات، هناكيجد الرسول كل الأنبياء فى انتظاره فيبدأ بالصلاة بهم لكى تكون رسالة إلى امته وإلى من يسلم، مفادها أنه النبى الخاتم وأن رسالته هى عموم كل الرسالات التى سبقته، وبعد الصلاة فى القدس يصعد الرسول إلى السماء ليرى الجنة والنار ويناجى ربه ويفرض عليه الصلوات الخمس، فيما حكاه الرسول، وفى اعتقادى أن الذى لم يحكه أكثر، فقد رأى ما رأى وأقرأوا سورة النجم.
يعود النبى محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الرحلة وهو غير مهتم بأى شئ إلا بالرسالة وتوصيلها لكل الناس.
هنا يبدأ الرسول استراتيجية جديدة فى الدعوة وهى دعوة وفود الحج فى السنة 11 من الدعوة، وبالفعل أسلم على يده 6 من شباب قبيلة الخزرج ورجعوا إلى المدينة المنورة ودعوا الناس هناك، ليعودوا فى السنة التالية ومعهم وفد من 12 رجل عشرة من قبيلة الخزرج و2 من قبيلة الأوس، وبايعوا الرسول فى مكان اسمه العقبة على ألا يشركوا بالله وألا يزنوا أو يقتلوا أولادهم، وأرسل معهم الرسول مصعب بن عمير يعلمهم الدين، وقبل السنة ال13 من البعثة كانت تقريبًا كل المدينة المنورة دخلها الإسلام، وفى موسم حج السنة 13 حضر لمكة 73 رجل وامرأتين من المدينة واجتمعوا عند العقبة وتمت بيعة العقبة الثانية وفيها التزم الأنصار بالدفاع عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد عودتهم إلى المدينة أمر الرسول المسلمين بالهجرة سرًا إلى المدينة وكان صاحبه أبو بكر كلما استأذنه للهجرة يقول له الرسول لعل اللهَ يجعل لك صاحبًا، وطبعًا كان أشهر خروج من مكة هو خروج عمر بن الخطاب الذى هاجر فى وضح النهار وقال من أراد أن تثكله أمه أو ييتم أبنائه أو ترمل زوجته فليأتنى خلف هذا الجبل فإنى مهاجر، وبالطبع لم يأت أحد خلفه، وبدأ الرسول يعد خطته للهجرة إلى المدينة فخرج وهو ملثم حتى لا يعرفه أحد وذهب إلى دار أبى بكر، وخرج من دار أبى بكر ليلاً وطلب من على بن أبى طالب أن ينام فى فراشه، ليرد الودائع التى كانت عنده للناس – لنقف لحظة كانوا يحاربونه فى دينه ولا زالوا يستأمنونه على ودائعهم - وتواعد أن يلاقى دليله عبد الله بن أريقط بعد ثلاثة أيام من خروجه من مكة فى غار ثور، وطلب من عبد الله بن أبى بكر أن يأتيه بالأخبار من مكة حتى يعرف ما يحدث، وبعد أن يعود عبد الله يقوم عامر بن فهيرة برعى الغنام عند الغار حتى مكة ليمسح آثار أقدام عبد الله بن أبى بكر، وبعد 3 أيام فى غار ثور توجه الرسول للمدينة، واستقبله الأنصار هناك لتبدأ صفحة جديدة من الدعوة النبوية الشريفة فى يثرب التى تحول اسمها إلى المدينة المنورة.

تعليقات القراء