أيمن مسعود يكتب : الحرية
قبل يناير 2011 كان المسلمون يشعرون باضطهاد بالغ، فهم من يتم القبض عليهم من داخل المساجد، وهم من يتم اعتقالهم فى منتصف الليل وعند الفجر، وهم من تمتلئ بهم ساحات المعتقلات وجدرانها، وهم من تُغلق المساجد فى وجوههم، فلا يستطيعون أن يعتكفوا أو يقيموا مقرأة يتدارسون فيها القرآن!!
قبل يناير 2011 كان المسيحيون يشعرون باضطهاد بالغ، فما كانوا يستطيعون أن يصلحوا ماسورة مياه فى كنيسة إلا بتصريح من أمن الدولة، ولم يكن تمثيلهم فى المناصب القيادية فى الدولة معتبرًا، وكانت كنائسهم تنفجر بهم أو يسطو عليهم بعض القتلة المجرمين!!
قبل يناير 2011 كان المصريون فى الشوراع، والجامعات، والنوادى، والقرى، والحضر، وفى المواصلات العامة... يتعاملون بغض النظر عن اعتبارات الدين، فلم يقف شاب من مقعده فى أتوبيس لرجل كبير السن اعتبارًا لعقيدة هذا الرجل، وإنما من خلال الالتزام الدينى فى الإسلام والمسيحية باحترام الكبير، أو بالالتزام المجتمعى بنفس الغاية!! ولم يتدخل رجل كبير فى فض اشتباك فى الشارع بين شابين باعتبار دين أحدهما أو كليهما!!
فى يناير 2011 خرج رجل دين وملحد، ومنتقبة ومحجبة وكاشفة، وسيدة وآنسة، وشاب وكهل وعجوز.. رددوا نفس الهتافات، وأعلنوا نفس المطالب!!
فى يناير 2011 عالج مواطن مواطنًا آخر، وحمل بعض الأحياء جثامين الشهداء فى بكاء وهيستيريا تتوازى تمامًا مع فقد أخ كل ما يفرقه عن أخيك أن هذه المرة هى المرة الأولى التى تراه فيها!!
الحرية.. حرية الاعتقاد وحرية التعبير وحرية الفكر وحرية الرأى...
يقولون لك: "حرية القلع"!! وأقول لك: ليس فى مصر من هؤلاء الشباب الذى كان مستعدًّا للموت من أجلك وأجل أبنائك ومستقبل البلد.. ليس من هؤلاء من يحتقر نفسه إلى هذه الدرجة!
إنهم وأنا معهم نقصد حرية أن تقيم شعائر دينك –مسلمًا أو مسيحيًّا- فى سكينة تحاول أن ترضى ربك كما تؤمن.. إننا نقصد حرية السؤال والنقاش كما سأل وناقش الصحابة رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم-.. إننا نقصد ألا يحتكر أى إنسان عقلك؛ عليه أن يجتهد حتى تقتنع أنت فتقبل أو ترفض..
إننا نقصد أن يكون الدين رسالة إنسانية سامية يؤمن بها الناس دون أن يتماشوا معها خوفًا من عقاب السلطة!!
إن الحرية التى نؤمن بها تحترم إرادة المجتمع، وتؤمن أنه لن يتغير إلا بإرادته هو!! هذه الحرية لمن أراد أن يصبغها بالصبغة الإسلامية يستطيع أن يقول قبلها من سورة الإسراء: "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا" (84)، ولمن أراد أن يصبغها بالصبغة المسيحية له أن يقول قبلها: "لا تدينوا فلا تدانوا.. لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم.. اغفروا يغفر لكم" لوقا 6: 35، 36.
هذه الحرية تحترم عقولكم، وتقول لكم: هذا ما نرى، فماذا ترون؟
تجبرنا على أن نجتهد من أجل إقناعكم، دون أن نكتفى بادعاء أننا أكثر منكم علمًا.. دون أن ندعى أننا نملك الحقيقة.. تجبرنا على أن نعتبر المصريين وحدهم أصحاب الحق الأصيل فى اختيار مستقبلهم، وتلزم الجميع بتقديم المعلومة والرأى والرأى الآخر، وتوضيح كافة التفاصيل لكم.. تمنعنا من قول رأينا أو قناعتنا باعتبارها الحقيقة المطلقة.
الحرية –كما نفهمها- هى أن تعيشوا كما تريدون أنتم وليس كما نريد نحن!!