د.محمد صلاح البدري يكتب: انتهي الدرس ياسادة!!
١
ارتفعت الأصوات الرتيبة المنتظمة للساعة المعلقة علي الحائط ..في تلك الغرفة الواسعة ... واستمر الصمت من كل الجالسين أمام شاشات الحاسب الآلي هو المسيطر.. تأمل عقارب الساعة وهي تتحرك بسرعة بالغة.. لم يكن يتوقع أن يقف مثل هذا الموقف في حياته أبدا !!
- الأعداد بدأت تزيد في إمبابة و في كام محافظة في الصعيد يافندم!!
تأمل سيادته ملامح هذا الشاب الذي يحدثه وهو يوجه عيناه إلى شاشة الحاسب الآلي الذي أمامه... ثم نظر ثانية إلى الساعة علي الحائط..
- ربنا يسهل !
تساؤلات عديدة دارت في خلده وهو يراجع مواقفه السابقة .. هو يؤمن تماماً بما يقول.. و يؤمن أنه لم يخطيء حين أزاح الإخوان.. بل أنه كان بالفعل لا يرغب في الترشح للرئاسة .. هم من دفعوه لذلك ..هل فعلا كان قرارا خاطئا؟!
لن يفارق مخيلته هذا المشهد.. بل سيطارده في كوابيسه طيلة السنوات القادمة.. لقد كان الموقف مفاجأة للجميع! .. أين الأعداد التي نزلت يوم الثلاثين من يونيو؟ .. بل وأين الأعداد التي نزلت من قبل لتفويضه في مواجهة الإرهاب المحتمل؟! حتي مع رفض البعض لهذا التفويض بحجج كان يراها واهية.. ولكن الأعداد وقتها كانت كافية للغاية ..
هل فقد بالفعل ظهيره الشعبي؟! حتي قبل أن يتسلم الحكم؟!
٢
"ضعف الأعداد و نسب التصويت لن تؤثر علي شرعية الرئيس القادم"
صرح بها بلهجة واثقة أحد الخبراء القانونيين في مداخلة تليفونية لهذا المذيع الشهير.. تأمل سيادته وجه المذيع الذي يوحي بقلق غير مسبوق.. و تأمل كلمات هذا الخبير في استخفاف .. فقط طبيعته العسكرية الصارمة هي ما منعته أن يطلق سبة سوقية .. الكل يعلم هذا الكلام جيدا.. هو لا يحتاج لسماعه حين أمسك ريموت تلفازه ليقلب بين القنوات كي يستوعب ما يحدث!
يعلم سيادته جيدا أن شرعيته كرئيس لن تمس.. مهما كانت نسب التصويت!... هو يتسائل فقط عن سبب ضعف هذه النسب!..
المشكلة أن ضعف النسب سيؤدي إلى اختصار المدة الزمنية التي يمكن أن يصبرها الناس عليه في بداية حكمه ليبدأ برنامجا إصلاحيا شاملا في الاقتصاد والعدالة الاجتماعية..
تبادرت إلى ذهنه فجأة أن يكون البرنامج هو السبب.. نعم أنه البرنامج ... لا بد أنه كان ليس علي مستوي طموحات الشباب .. لقد قامت الحملة بكتابته سريعا ثم طباعته دون الرجوع إليه إلا في اللحظات الأخيرة .. و حين قام بحذف بعض الفقرات و إضافة البعض قاموا بتعديلها بعض طباعته بالفعل..
المشكلة أنه لم يكن لديه برنامج محدد يقوم علي خطط زمنية و آليات ممنهجة يمكن أن تتم مراقبتها.. لقد كان يحمل للناس أملا يقوم علي العمل فقط... هو يؤمن أن العمل المستمر يؤدي إلى النجاح .. هذا ما تربي عليه منذ نعومة أظفاره و يؤمن به تماماً !!
إنه البرنامج!! سوف يحاسب المسئول عن هذا التخبط بعد انتهاء الانتخابات ! لا شك في هذا!
٣
" انفجار عبوة محلية الصنعأمام إحدي المدارس في كفر الشيخ"
تأمل هذا الخبر الذي جرى علي شريط الأخبار في تلك القناة ... إذن فالشعب يخشي النزول للتصويت حتي لا تصيبه قنابل الإخوان!
قد يكون هذا السبب مقنعا بالفعل... ولم لا؟! نعم ... فالإخوان ينتظرون هذه الأيام لأحداث عنف غير مسبوق في البلاد.. هكذا أخبره السيد المسئول في وزارة الداخلية قبل أيام من بداية الانتخابات ... إنه الإرهاب الأسود الذي يعيث فسادا في مصر منذ عام كامل!
لقد طمأنه السيد المسئول في وزارة الداخلية أنهم مسيطرون تماماً علي الوضع الأمني .. و أن أحدا من هؤلاء الموتورين لن يمكنه فعل أي شيء من شأنه إرهاب المواطنين الشرفاء و منعم من الإدلاء بأصواتهم !
مازالت وزارة الداخلية تتعامل بمنطق "كله تمام يافندم" .. سوف يقوم بتغييرات واسعة النطاق في هذا الهيكل الذي ينخر فيه السوس منذ أعوام طويلة.. يبدو أنه وثق فيهم أكثر من اللازم..
المشكلة التي جالت بذهنه في نفس الوقت أن الشعب لم يخشي إرهاب الإخوان من قبل حتي يخشاه اليوم!! .. فمهما وصل الخوف بالناس.. هل سيكون مثل ما حدث من هؤلاء الخونة عقب فض اعتصام رابعة؟! .. لقد كادوا يحرقون البلد.. و بعدها بأيام نزل الشعب للتفويض
ليس هذا هو السبب.. لابد أن هناك شيئا ما!
٤
لم يدرك سيادته -أو الذين معه- السبب... و في أغلب الظن لن يدركوه . .. و قد يكون هذا جيدا... و لكنهم سيتذكرون هذا اليوم جيدا.. و سيدفعهم هذا الدرس -الأقسي- أن يعملوا لإرضاء هذه الملايين التي لم تكترث بدعوات النزول ولا بأغاني حسين الجسمي...وسيصب هذا في مصلحة هذا الشعب البسيط... الذي غالبا نزل و أعطاه صوته بالفعل... هكذا سيذكر التاريخ... أو هكذا نتمني!!