د. محمد صلاح البدري يكتب: ثورة دي ولا اكتئاب؟!
١
يناير 1956
خرجت صحيفة الأهرام بأشهر مانشيت في تاريخها... لقد حصل عبد الناصر على نسبة ٩٩.٩٩٩٪ في الاستفتاء الذي جرى ليتولى رئاسة الجمهورية الجديدة وبنسبة تصويت تجاوزت التسعين بالمائة!
الطريف أن الاستفتاء قد تضمن الموافقة علي الدستور الذي يلغي الملكية و الأحزاب و يؤسس للجمهورية .. و أيضاً الموافقة علي عبد الناصر رئيسا .. و كانت الموافقة والرفض علي الاثنين معا!! كأن الموافقة علي الجمهورية الجديدة تتضمن أن يرأسها عبد الناصر!! إن كان عاجبك!
لم يجرؤ حتي الاكتئاب أن يتسلل إلى النفوس... فقد ألقى به ناصر في السجن الحربي منذ أعوام
٢
أكتوبر 1981
يعلن الدكتور صوفي أبو طالب تحت قبة مجلس الشعب نتيجة الاستفتاء الشعبي على تولى السيد محمد حسني مبارك رئاسة الجمهورية خلفا للراحل أنور السادات الذي قتله بعض الراديكاليين الإسلاميين منذ أيام قليلة ...
كان السادات قد أجرى تعديلا دستوريا منذ عده أشهر يتيح له الاستمرار رئيساً للجمهورية لفترات رئاسية غير محدودة... و لكن يبدو أنه كان يجري هذه التعديلات لنائبه الشاب!
عدد المشاركون في الاستفتاء تسعة ملايين مواطن من اجمالي اثنا عشر مليونا لهم حق التصويت وبنسبة تصويت اثنين و ثمانون بالمائة..!وحصل مبارك علي نسبة ٩٩٪ نعم!
الطريف في الأمر أن العديدون قد صدقوا أن النسبة صحيحة... وكأن الإسلاميون الذين قتلوا سلفه كانوا يريدوه رئيسا!!
لقد خرج الاكتئاب من المعتقل منذ أعوام ... و يستعد لممارسة نشاطه ...
٣
سبتمبر 2005
إنها الانتخابات الرئاسية الأولي متعددة المرشحين التي تجري في بلدنا الطيب منذ عهد عبد الناصر...
ينبغي أن نحتفل بالعرس الديموقراطي كما يجب ... لقد سمح لنا سيادته بسقف غير مسبوق من الحرية.. البعض قد قرر المشاركة و لو علي سبيل التمثيل المشرف...
هناك بعيدا في العالم الغربي... يقولون أن الديموقراطية لا يمنحها الحاكم و إنما يفرضها الشعب !
فيما بعد سنعرف أن عدد المشاركين في هذه الانتخابات قد بلغ سبعة ملايين مواطن فقط من إجمالي ٣١ مليونا لهم حق التصويت...وبنسبة تصويت بلغت ٢٣٪ ...وأن سيادته قد حصل علي ٨٨٪ من عدد الأصوات ... ثم اكتشف البعض فجأة ان المرشح الذي حصل علي النسبة الاعلي خلفه قد فشل في جمع توكيلات تأسيس حزبه منذ عامين !! و ألقي القبض عليه!!
يبدو أن البعض لا يستوعب المزاح كما يجب!!
الاكتئاب كان صديقا للجميع في هذه الفترة... ثم استمر!
٤
يونيو 2012
فاز المرشح المحسوب علي الثورة في انتخابات الإعادة التي جرت بينه و بين رئيس وزراء مبارك السابق... لقد انتصرت الثورة بعد أطنان من الليمون الذي تم عصره علي مندوب الإخوان...
لقد بلغ عدد الذين صوتوا في الانتخابات الرئاسية خمسة و عشرون مليونا و بنسبة تتجاوز ٥١٪ من اجمالي عدد الناخبين المقيدين ! وحصل منهم مرسي علي ثلاث عشر مليونا .. فقد اكثر من نصفهم خلال شهور قليلة...
فيما بعد سيجلس مجموعة من البشر" العقلاء" مع رئيس دولتهم أمام شاشات التلفاز ليقرروا كيفية التآمر علي دولة إفريقية "بسرية تامة"!!
لقد كاد الاكتئاب أن يموت... ولكن مندوب الجماعة في الاتحادية قد رفض بشدة ... و أعطى له مرشدها قبلة الحياة ثانية حين هتف حزينا" ما ذنب النباتات؟!"
٥
مايو 2014
-ها مين هينزل يصوت في انتخابات الرئاسة يا شباب؟!
صمت مريب اجتاح القاعة المخصصة للتدريس في تلك الكلية الإقليمية ...يبدو أن أحدا لم يستوعب السؤال بعد!
-أنا مش قصدي هتدي مين.. أنا قصدي مين هينزل و مين هيقاطع؟
استمرار الصمت لا يعني إلا أن الإجابة أصبحت أصعب مما كانت عليه منذ لحظات قليلة.. و يعني كارثة محققة تحدث في هذا الجيل!
يقولون ان الشباب هم عماد المستقبل.. و لكن يبدو أن المستقبل نفسه قد قرر أن يستغني عن عماده.. ليتم تشكيله باياد معروقة عجوز... و رؤوس قد خطها الشيب!
من الخطر أن تعيش في وطن شاب شبابه ... و تصابي شيوخه.. والأخطر الا يدرك كلاهما أنه في المكان الخطأ !!
٦
المشاركة في الحياة السياسية ينبغي أن تكون علي أساس انك تمتلك بيديك مقاليد الأمور.. وصوتك الذي تمنحه لمرشحك ينبغي أن تؤمن بأنه سيستفيد منه...
لقد خرج هذا الجيل أكثر من سبع مرات خلال عامين بحثا عن أمل .. ولم يجد ..
لم يمنح أيا من مرشحا الرئاسة حتي الآن لناخبه ما يجعله يقف في طابور ليعطيه صوته...فالأول فاقد لأي إنجاز يمكن الاعتماد عليه حتى يتحمس البعض لإعطائه صوته.... والثاني يؤمن و تؤمن حملته آنه لا يحتاج الي أصوات إضافية .. فهو يمتلك ما يكفيه!!
لقد فقد الشباب الأمل الذي كان يشع من عيونهم .. و توقف تامر حسني عن الغناء "بكره اللي جاي أحلي" و بدأ في ترديد النشيد الوطني "تسلم الأيادي"
لن يغفر التاريخ ان يتم تهميش الشباب و قتل طموحهم ... كما لن يغفر للإخوان أن شوهوا التجربة الوحيدة التي كان من الممكن أن تجعلنا نرى مصر الدولة المدنية التي كنا نحلم بها!!
منهم لله!