عمرو شوقي يكتب: حتى لا يصبح خالد النبوي «عمر الشريف التاني»
(1)
"لا يحاكِم الكاتب أي طَرَف ولا ينحاز إلى أي جهة، فالمسرحية مكتوبة بذكاء شديد وبشكل محايد وتسرد الوقائع كما هي"*1.. هكذا برر الفنان خالد النبوي مشاركته في المسرحية الأمريكية "كامب ديفيد".. رغم أن أحداً لم يهاجمه، ورغم أن أحداً لم يشاهد المسرحية التي تعرض الآن في مسارح أمريكا، ولكن اضطرار النبوي للتبرير بدون سبب ليس له إلا معنى واحد، أنه "على راسه بطحة"..
فالفنان الذي يرى أن المسرحية محايدة، يعلم بالتأكيد أن كاتبها الأمريكي "لورانس رايت" نقل أحداثها من مذكرات رئيس أمريكا إبان أحداث كامب ديفيد "جيمي كارتر" والحاجّة زوجته، أي أن المسرحية قطعا تعبر عن الموقف الأمريكي من كامب ديفيد ومن وجود الكيان الصهيوني ككل، ولكن هب أن المسرحية مأخوذة حتى من مذكرات السادات الذي يجسد النبوي شخصيته؟! وهل يختلف موقف السادات عن الموقف الأمريكي؟!!
(2)
إذا سألت "أي حد ماشي في الشارع" -مهما كانت درجة ثقافته- عن رأيه في عمر الشريف، غالباً سيجيبك بأنه الفنان العالمي الذي مثّل مصر في المحافل الدولية، وشرفها في المهرجانات العالمية و و و، رغم أنه من الممكن ألا يكون قد شاهد فيلماً واحداً لعمر الشريف..
الحقيقة أنه قد يكون فعلاً فناناً عالمياً، ولكنه أبداً لم يكن ممثلاً عن مصر، ولا مشرفاً لها، بالعكس.. فلم تخدم معظم أفلامه سوى المخابرات الأمريكية والإمبريالية العالمية.. ولا نعلم هل "العالمي" كان على علم بذلك، أم أن الـCIA استغل سذاجة الفنان الذي جاء من مصر لاهثاً خلف العالمية، ومستعداً لتقديم أي دور في أي فيلم "الناس فيه بتتكلم بالإنجليزي"؟
عمر الشريف يؤكد أنهم استغلوا سذاجته!
(3)
يقول النبوي عن مسرحية كامب ديفيد «النص يحاول أن يحاكي الحقيقة كما حدثت دون اتخاذ وجهات نظر.. فمن يتفق مع محادثات السلام سيحب المسرحية، ومن لا يتفق معها لن يحبها»*2.
طب وإنت رأيك إيه في المعاهدة؟
في موقف آخر.. كان من الممكن أن تجد خالد النبوي نفسه يتحدث عن ضرورة أن يعبر العمل الفني عن رؤية الفنان، وأن الفنان لابد أن يكون له وجهة نظر في مختلف الأحداث، تنطبع في أعماله.
يضيف النبوي "هدف المسرحية الأساسي هو تعريف الأجيال الجديدة بالحدث التاريخي.. فالأفلام والمسرحيات لا تقرر مصير الشعوب لكن الأعمال الفنية تستطيع تجسيد التاريخ لتعاد قراءته والاستفادة منه".
في موقف آخر أيضاً.. كان ممكنا أن تجد نفس الفنان يتحدث عن دور الفن في تقرير مصير الشعوب، والتأثير الجذري في حياتها.. ولكن يبدو أن هذا الكم من المبررات التي ساقها خالد النبوي دون أن يُوجَه له أي انتقاد، وتلك المحاولات المستميتة لتسطيح دور وتأثير المسرحية، ما هي إلا "تحسيس على البطحة"!
(4)
"لا افتخر بمشاركتي في الأفلام الغربية سوى بأفلام لاتتجاوز عدد أصابع اليد"*3.. هكذا وبمنتهى البساطة، اعتذر عمر الشريف في تصريحات صحفية عام 2007 عن أغلب أفلامه الأجنبية بعد أن شارك فيها، وقبض ثمنها، وفرح بلقب "الفنان العالمي" طيلة أكثر من 35 عاماً مرت منذ شارك في آخر فيلم أجنبي له.
يضيف الشريف "أنا نادم على دوري في فيلم جيفارا، الذي جاء مسيئا لهذا المناضل الشيوعي. لقد خدعوني. لم أعرف أن سي آي إيه (وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية) كانت وراءه، وكذلك لم أكتشف الكذب في القصة الملفقة في الفيلم إلا في مرحلة متاخرة".
كل من شاهد الفيلم "الممنوع من العرض الآن لكثرة أخطائه" أكد أن الفيلم الذي جسد فيه الشريف دور جيفارا، هدفه الإساءة إلى المناضل الذي قتل على يد المخابرات الأمريكية، إلا بطل الفيلم.. هو الوحيد الذي "مخدش باله"..
يبرر عمر الشريف تلك المأساة، قائلاً "الخطأ نابع من قصر الزمن، جيفارا قتل في عام 1967 وأُنتج الفيلم عام 1968 وهذا خطأ كبير مني في قبول الدور".
لا يدري الفنان العالمي أنه في نفس الوقت الذي كان يُعتبر هو فيه أداة للدعاية الخبيثة للمخابرات الأمريكية، كان الشاعر المصري البسيط أحمد فؤاد نجم يجلس في منزل متواضح بـ"حوش قدم" يكتب مأثورته "جيفارا مات".. وبعد شهور قليلة أيضاً من مصرع المناضل العظيم.
(5)
الشيء الإيجابي الوحيد في أن تسمع جملة "مسرحية كامب ديفيد"، أن كامب ديفيد فعلاً مسرحية!
يقول كاتب المسرحية "لورانس رايت" أن "الدرس الذي يجب تعلمه من كامب ديفيد، هو أن السلام موجود و متوفر إذا اردته فعلا".
أي سلام؟
ترى هل أورد "رايت" ضمن أحداث مسرحيته استقالة وزير خارجية مصر محمد إبراهيم كامل قبل يوم من إتمام الاتفاق، قائلاً "إن ما قبله السادات بعيد تماما عن السلام العادل.. والاتفاقية لا تتضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره"؟
يقول خالد النبوي "من خلال المسرحية ستظهر مصر كدولة داعمة للسلام"!
سلام أم استسلام؟!
يضيف النبوي إلى لغوه "أن ترى الأجيال الجديدة ممثلا مصريا تعلم في مصر يقف على مسرح أمريكي.. يعطي دلالة إلى أننا نحب السلام"..
بل إننا نأمل أن الأجيال القادمة عندما ترى ممثلاً مصرياً يقف على المسرح الأمريكي ليقدم مسرحية كتلك.. تلعن السلام مع العدو.. والمروجين له.
(6)
لم يكن "جيفارا" الفيلم الوحيد الذي يخدم المخابرات الأمريكية لعمر الشريف، فمعظم أفلامه تثير الشكوك، فها هو يأخذ بطولة فيلم "دكتور زيفاجو" 1965 المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للروائي الروسي "بسترناك"، والتي انتقدت بشدة الاتحاد السوفيتي، فاستقبلها الغرب استقبال الفاتحين، ومكاقأةً عليها.. حصل بسترناك على جائزة نوبل للآداب عام 1958.
والأنكى من كل ذلك هو مشاركة الشريف في فيلم "لورانس العرب"، والذي أُنتج عام 1962، وتعرض بسببه "العالمي" لانتقادات عربية كثيرة.. لأن الفيلم أظهر الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورانس، الشهير بلورانس العرب، بصورة البطل، في حين أنه –بالنسبة إلى العرب- جاسوس بريطاني ساهم بقدر كبير في التمهيد لتقسيم الوطن العربي تنفيذا لاتفاقية سايكس بيكو 1916 من ناحية، ومن ناحية أخرى لعب دوراً هاماً في إعداد فلسطين لتكون وطن قومي لليهود، تنفيذا لوعد بلفور 1917.
لم يكتف عمر الشريف بهذا القدر، بل شارك بدور البطولة في فيلم يحكي قصة حياة قائد المغول "جنكيز خان"! آه والله! وبالطبع يُظهر الفيلم بطولة القائد العظيم المغوار جنكيز خان في توحيد قبائل المغول وغزو العالم، بل ويسهب الفيلم في بيان رحمته وسعة صدره!! يقول الراوي في نهاية الفيلم: "مات جنكيز خان.. ولكن أحلامه غزت العالم بعد موته.. وصل أولاده للسهول الهنغارية في الغرب.. ثم توجهوا بعد ذلك إلى مصر.. وبعد إنهاء الغزوات كان نصف العالم يعيش في امبراطورية المغول”.
الفنان العربي لم يجد سوى أعداء العرب ومدمري ثقافتهم وذابحي أطفالهم ومغتصبي نسائهم، ليتحدث عن بطولاتهم في فيلم سينيمائي، حتى عندما ذكر اسم مصر، لم يقل حرفاً عن بطولتها والعرب في تخليص العالم من شرور التتار.. آه صحيح.. فيلم عمر الشريف لم يقل أصلاً أن التتار أشرار!
(7)
مسرحية كامب ديفيد ليست أول عمل أمريكي يشارك فيه خالد النبوي، شارك من قبل في عدة أعمال ربما أهمها فيلمه "المواطن" 2012 الذي يحكي قصة مهاجر عربي وصل الولايات المتحدة قبل أحداث 11 سبتمبر بيوم واحد.
إذا شاهدت إعلان الفيلم ستجد أول جملة أمامك "he had an american dream"*4، والحلم الأمريكي هو الفكرة التي يقوم عليها المجتمع الأمريكي، وقد صاغها المفكر جيمس أدامز 1931، باعتبار أن أمريكا أرض الأحلام وأن كل مواطن فيها حر بشكل شبه مطلق، ومن حقه أن "يبحث عن السعادة"، ففيلم خالد النبوي يخدم تلك الفكرة ويصب في مصلحتها.
يقول مخرج الفيلم سام قاضي أن الفيلم "يُذكِّرنا بالقيم التي بنيت عليها الولايات المتحدة"!*5 إننا لا نعرف قيماً قام عليها المجتمع الأمريكي سوى تلك القيم التي سمحت بإبادة نحو 20 مليون من الهنود الحمر "السكان الأصليين"، واستعباد أبناء قارة أفريقيا -وفقاً لنظام الرق- في الزراعة ومناجم الذهب، وما إلى ذلك من القيم التي جعلت أمريكا تعتبر إسرائيل هي الابنة الشرعية لها، نظراً لتشابه النشأة والتطور.. والمصالح!
يقول الناقد الفني طارق الشناوي عن "المواطن": "يرسخ الفيلم للحلم الأمريكى كأنه الطريق الوحيد للحياة، ويُحيل نضال المواطن العربى لا إلى تأكيد ذاته وأفكاره وتغيير مجتمعه وواقعه للأفضل، ولكن ينحو الفيلم إلى تعميق حالة الهوان العربى وخفوت الاعتزاز الوطنى كأنه يهتف فى النهاية «تحيا أمريكا ويعيش العم سام"*6.
نتحدث عن فيلم –للأسف- بطله عربي!
(8)
هكذا اختار عمر الشريف.. اختار أن يصبح عالمياً، بغض النظر عما سيقدمه وما سيضيفه عندما وبعدما يصبح عالمياً.. اختار أن يترك مصر في بداية الستينات والدولة الناصرية في أوج قوتها أمام الاستعمار، وذهب للخارج ليدعم نفس الاستعمار بفنه.. اختار أن يتحول من المناضل إبراهيم حمدي الذي يدمر معسكر الإنجليز بالعباسية في "في بيتنا رجل"، إلى جنكيز خان ودكتور زيفاجو وجيفارا "المزيف" بفعل المخابرات الأمريكية..
(9)
قبل أن يتم مشواره الذي قارب على الانتهاء.. على خالد النبوي أن يسأل نفسه.. هل سيسير على خطى عمر الشريف.. أم أن له رأياً آخر؟
جميل أن يسعى الإنسان إلى تحقيق ذاته، لكن ليس أقبح من أن يكون ذلك على حساب الوطن.. صحيح أنه بدون "الذات" لا وطن، لكنه أيضاً بدون الوطن.. لا شيء!
(10)
"متأمرك ليه يا سوسو.. وليه عقلك تخين؟!
لو أصلك يوم تدوسه.. يفضلك بس مين؟!
لو مالك خير في أهلك.. الواغش يركبووووونا!"
من إحدى أغنيات فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" كلمات: مدحت العدل
هوامش:
1- كواليس مفاوضات كامب ديفيد في مسرحية أمريكية http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=23032014&id=a6622119-7e4...
2- خالد النبوي: مسرحية «كامب ديفيد» الأمريكية تظهر وجه مصر الحقيقي http://almogaz.com/news/culture-art/2014/03/24/1392229
3- عمر الشريف غير فخور بأغلب أدواره الأجنبية ونادم على دور جيفارا http://www.alarabiya.net/articles/2007/11/12/41543.html
4- إعلان فيلم "المواطن – the citizen" https://www.youtube.com/watch?v=BNr5xCgqjSk#t=62
5- مخرج فيلم المواطن:الفيلم يُذكِّرنا بالقيم التي بنيت عليها الولايات المتحدة http://www.alhurra.com/content/the-citizen-boston-film-festival-2012/213...
6- طارق الشناوي يكتب: النبوى يبيع الترام! http://www.dostorasly.com/columns/view.aspx?cdate=06122013&id=79e6a0b8-5...
7- كواليس مفاوضات كامب ديفيد في مسرحية أمريكية
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=23032014&id=a6622119-7e4...