ضائقة مادية وخلافات عائلية.. النيابة العامة تكشف دوافع انتحار شابي القاهرة والمنصورة.. وبيان هام من الأزهر

أعلنت النيابة العامة تفاصيل واقعتي انتحار شابين، الأول من أعلى برج القاهرة، والثاني من كوبري جامعة المنصورة.

وقالت النيابة العامة في بيان، الثلاثاء، عن مكتب النائب العام: «إنها تلقت إخطارًا مساء 20 يونيو الجاري بسقوط شابٍ من أعلى برج القاهرة، بالتزامن مع ما رصدته وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام من تداول أخبار بمواقع التواصل الاجتماعي بشأن الواقعة، فباشرت النيابة العامة التحقيقات على الفور، وقد استهلتها بالانتقال لمسرح الجريمة لمعاينته ومناظرة جثمان المتوفى، وفحصت محتوى هاتفه الذي كان بحوزته وقت الواقعة، وطالعت النيابة العامة كاميرات المراقبة الخاصة بمبنى البرج، واستمعت لأقوال اثنين من العاملين به، وخمسة شهود من أصدقائه وذويه».

وأضافت: «وقد خلصت النيابة من مجمل الإجراءات التي اتخذتها إلى مرور المتوفى بضائقةٍ ماليَّة بسبب أعبائه الشخصية التي تسببت في ضغوط نفسيَّة أصابته، ودوام الخلافات بينه وبين شقيقيه القائمين على مساعدته ماديًّا بسبب ذلك، وأنه يوم الواقعة توجَّه لمبنى برج القاهرة ودلفه منفردًا وصعد لقمته ورافقه أحد أفراد الأمن حينها، ولما طلب منه الأخيرُ المغادرةَ لانتهاءِ وقت الزيارة توجَّه صوب السور وقفز من أعلى البرج ولم يلحقْ به فردُ الأمن حينَهَا، وتبيَّن إرسال المتوفى رسالةً نصيَّةً قبْلَ الواقعة يطلبُ فيها من آخر زيادةً في مصروفه الشهري، ورسالة أخرى لشخص آخر وقت تواجده بالبرج يخبره فيها بأنها آخر لحظات حياته».

وتابعت: «قد انتدبت أحدَ الأطباء الشرعيين لإجراء الصفة التشريحية على جثمانه لبيان ما به من إصابات، وتحديد سبب الوفاة، وطلبت تحريات الشرطة حول الواقعة، وجارٍ استكمال التحقيقات».

وبشأن واقعة المنصورة، أفادت النيابة العامة بأنه ورد إلى النيابة إخطارٌ من الشرطة في الساعات الأولى من صباح اليوم بوفاة شابٍ إثر سقوطه حالَ قيادته سيارة من أعلى كوبري الجامعة بمركز طلخا، وقد تزامن ذلك مع ما رصدته وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام من أخبار متداولة بمواقع التواصل الاجتماعي حول الواقعة، منها عبارات منسوبة للمتوفى تضمنت رغبته في التخلص من حياته، فتولت النيابة العامة التحقيقات.

وأوضحت: «استهلتها بالانتقال لمحل الواقعة لمعاينته ومعاينة السيارة ومناظرة جثمان المتوفى، كما استمعت لأقوال أربعة من ذويه وأحد معارفه، وخلصت النيابة العامة من مجمل الإجراءات التي اتخذتها إلى مرور المتوفى بضائقة نفسيَّة على إثرِ خلافاتٍ عائليَّة هي سبب انتحاره، وقد انتدبت أحدَ الأطباء الشرعيين لإجراء الصفة التشريحية على جثمانه لبيان ما به من إصابات وتحديد سبب الوفاة، وكلفت ذوي المتوفى بتقديم هاتفه لفحص محتواه، وطلبت تحريات الشرطة حول الواقعة، وجارٍ استكمال التحقيقات».

واستطردت: «بمناسبة هاتين الواقعتين وما استشعرته النيابة العامة منهما من خطرٍ مُحدقٍ بالشباب لإقدام بعضهم على الانتحار في هذه السنِّ الصغيرة يأسًا من ضائقة مادية أو خلافات عائلية، فإنها تناديهم من واقع الأمانة التي تتحملها وتمثيلها المجتمع: «يا أيُّها الشبابُ لا تنخدعوا بمكر الشيطان بكم، وإيَّاكم والاستهانةَ بحياتكم أو استرخاصها بصورة قليلة العلم، عظيمة الذنب والجُرم عند ربِّكم، إيَّاكم أن تنهوا حياتكم بسبب فشلٍ أصابكم أو ضائقة حتمًا ستمُرّ، فهذا من العبث والاستهانة بحرمة حياتكم التي جعلكم ربَّكم حُرّاسًا عليها وحُماةً لها».

وقالت: «انظروا فيمَن حولَكم ممن ابتُلوا واختُبِروا بألوان المصائب والبلايا، فمنهم مَن رأى اللهُ منهم صبرًا ومغالبةً لأسباب حياتهم، وهذا هو المراد من ابتلائهم، فأنالهم أجرَ الصابرين بغير حساب، واعلموا أنَّ ربَّكم محيطٌ بما قدَّرَه لكم في علمه القديم، فلعلَّ في فشلكم نجاحًا، ولعلَّ في بلائكم فضلًا عظيمًا وفلاحًا، فتَعْلموا حينَها عظيمَ حكمةِ ربِّكم، وواسعَ رحمتِه وفضلِه عليكم، فإنَّ بعد العسر يسرًا، إنَّ بعد العسر يسرًا».

وأهابت النيابة العامة بالكافة نشر روح الأمل تلك بشتى الوسائل في نفوس شبابنا، اجعلوها نداءً دائمًا لهم بأن الفشلَ أولُ طريقِ النجاح، وأن البلاءَ مفتاحُ الفرج.

بيان من الأزهر

من جانبه، قال مركز الأزهر العالمى للفتوى الالكترونية، إن الإنسان بنيان الله، وحفِظَ الإسلام النَّفسَ، ووضع لهذه الغاية العُظمى منظومة تشريعة مُتكاملة، تقيم مجتمعًا سويًّا فاضلًا، كما ان حياة الإنسان ملك لخالقه سبحانه، والاعتداء على حقّه في الحياة جريمة نكراء من أكبر الكبائر، سواء أكان الاعتداء من الإنسان على أخيه الإنسان، أو من الإنسان على نفسه بالانتحار.

وتابع المركز فى بيانه : قتل النفس التي حرّم الله كبيرة من أبشع الجرائم، غلّظ عليها الإسلام العقوبة؛ فقال سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسَۢا بِغَيۡرِ نَفْسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتْهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنْهُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡأَرۡضِ لَمُسرِفُونَ}. [المائدة: 32]

وقال سبحانه عن جريمة الانتحار: {...وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا . إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}. [النساء: 29 -31]

واضاف المركز ان الالتزام بالدين ومعرفة الشرع وعاقبة الكبائر يحجز الإنسان عن الجرائم التي عدّها الإسلام من كبائر الذنوب، وجهالة الدين وغياب الوعي والضمير من أسباب الجرأة على حدود الله وحقوق الناس، وفاعل هذه الجرائم البشعة مُتجرد من كل قيم وتعاليم الدين بل والإنسانية.

وتابع : لا توجد محنة في الدنيا تُبرر إزهاق الإنسان روحه، أو أن يعتدي على غيره، بل لكل مِحنة سبيل فرج، وبعد العسر يأتي من الله اليسر، والدنيا دار ابتلاء ومكابدة، والعبد مأمور بالصّبر والعمل، وموعود بالفوز والجنّة، إذا توكّل على ربّه وأحسن الظَّنَّ فيه وأخذ بالأسباب المشروعة.

وقيام الدّولة بالقصاص من القاتل، حقٌّ عامٌّ للدولة وللمقتول ولأهله وللمجتمع كله، حتى ينتشر بساط الأمن فيه؛ قال الله سبحانه: {وَلَكُمْ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٌ يَٰٓأُوْلِي ٱلْأَلْبَٰبِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.[البقرة: 179]

وتوقيع أقصى العقوبات على المُجرمين المُتجاوزين حدود الدين والإنسانية بجرائمهم البشعة، ورؤية الناس لمآلهم ونهايتهم، يزجر عن ارتكاب جرائم مُماثلة، وينشر الأمن وبساط عدالة القانون في المُجتمع.

كما ان إعادة صياغة المُحتوى الإعلامي بشكل عام، والفنّي بشكل خاص، بما يناسب قيم المجتمع المصري والعربي وهُوّيّته وثقافته، ويدعم تصحيح المسار السّلوكي لأبنائه، ويعزّز أمن المجتمع واستقراره؛ واجبٌ شرعيٌّ ووطني.

كما انه لا مبرر لجريمة قتل النّفس مُطلقًا، سواء في ذلك قتل الإنسان لأخيه الإنسان أم اعتداء الإنسان على نفسه بالانتحار، بل تبرير الجرائم جريمة كُبرى كذلك.

ولقد كرم الإسلام المرأة، ووصّى بها سيدنا رسول الله ﷺ خيرًا، ولا يجني المُجتمع من محاولات تسليعها في كثير من المحتويات الترفيهية إلا مزيدًا من انتهاك حقوقها، والتجرؤ البغيض عليها.

وشدد المركز علي ان الخوض في أعراض المسلمين -سيما من أسلم روحه لبارئه سبحانه- سلوك مُحرَّم، وإيذاء مذموم للأحياء والأموات، ذمّ الله صاحبه في القرآن الكريم، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}. [ الأحزاب: 58]

والانتقاص من أخلاق المُحجَّبة أو غير المُحجَّبة؛ أمرٌ يُحرِّمه الدِّين، ويرفضه أصحاب الفِطرة السَّليمة، واتخاذه ذريعة للاعتداء عليها جريمة كبرى ومُنكرة.

وللمجتمع الإيجابي دورٌ واعٍ في وأد الجرائم، وحسن التّخلص من أجزائه المفسده المخرّبة، بالاتحاد والفاعلية والحفاظ على القانون، أما السلبية مع القدرة على منع المعتدي، والاكتفاء بتصوير الجرائم عن بُعد، فأمور تساعد على تفاقم الجريمة وتجرؤ المُجرمين.

واوضح المركز ات تداول مقاطع الجرائم المُصوَّرة، وتكرار نشرها على مواقع التّواصل الاجتماعي ينشر الفزع بين أبناء المُجتمع، ويُنافي قيم الرَّأفة، والرَّحمة، والسِّتر، ومراعاة تألم ذوي الضَّحيَّة، وخُصوصيتها.

وتشويهُ معنى القُدوة ينشر الانحلال الخُلقي، والجريمة، ويُزيّف الوعي، ويُفسد الفِطرة، والنَّماذج السَّيئة في المُجتمعات التي تروّع الآمنين وتحمل السِّلاح؛ لا يُحتفَى بها، ولا تقدكأبطال في المُحتويات الدّراميّة والغِنائيّة، ولا يُتعاطف مع خطئها، بل تُبغَّض أفعالها، ويُحذَّر النَّاس منها.

كما ان صناعة القُدوات الصَّالحة المُلهِمة، وتسليط الضَّوء على النَّماذج الإيجابية المُشرِّفة من أهم أدوار الإعلام الرَّفيعة في بناء وعي الأمم، وتحسين أخلاق الشَّباب، وانحسار الجرائم.

ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إذ يقدم هذه الإضاءات يستكمل مشروعاته التوعوية لنشر العلم الصحيح وتصحيح المفاهيم، من خلال أدواته الإلكترونية والميدانية، ويجوب محافظات وجامعات مصر كافّة، ويطلق حملات توعوية ومبادرات عديدة آخرها مبادرة: «أنت غالٍ علينا»، ويكثّف جهود برنامجه للتوعية الأسرية والمجتمعية، ويسعد بتواصل الجمهور معه، ويستمع إلى الشّباب، ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم، ويقدم المشورة والنّصيحة الصّادقة، والدّعم النّفسيّ والمعنويّ لهم، ويستقبل الاتصالات على هاتف رقم: 19906، في أيام العمل الرسمية من التّاسعة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا.

تعليقات القراء