«حملات ممنهجة».. بعد انهيار كذبة «العثمانيين».. ما قصة صوامع مرفأ بيروت ومن بناها؟.. ومغردون: «مكنش فيه اسمنت مسلح»

الموجز

أثارت تدوينات لنشطاء محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين والمحور التركي جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما نسبت بناء صوامع الغلال في مرفأ بيروت اللبناني للدولة العثمانية.

وفجأة، وبلا سابق إنذار، أصبح العثمانيون في قلب كارثة مرفأ بيروت، حين نسب أتراك وموالون لهم صوامع القمح الضخمة في الميناء للعهد العثماني، وقالوا إنها حالت دون وقوع كارثة أكبر بالعاصمة اللبنانية، لكن تبين أن كل ذلك محض فبركة ضمن حملة دعائية تتسلق مأساة اللبنانيين.

الصوامع العثمانية

وانتشرت تعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة من قبيل أن "الصوامع العثمانية هي الوحيدة التي صمدت أمام قوة الانفجار".

البداية كانت مع نشر حساب دعائي تركي باسم ”الذئب الرمادي، يغرد باللغة العربية ويعرف نفسه بأنه ”ناشط سياسي“، صورا للصوامع المدمرة بعد انفجار المرفأ الثلاثاء الماضي، مرفقا إياها بتعليق: ”صوامع الحبوب الخرسانية هذه هي الوحيدة التي صمدت أمام قوة الانفجار وعملت كمصدات حمت الأبراج التي خلفها، وعند السؤال تبين أنها عثمانية بنيت منذ نحو 200 عام، بل وإن هذا المرفأ كله أنشأه العثمانيون“.

وفيما يشبه الحملة المنظمة، أعادت عدة حسابات على تويتر نشر التغريدة السابقة.

وذهب آخرون إلى القول إن الأتراك بنوا هذه الصوامع قبل 150 عاما.

كذبة الأتراك

وبعدها نشر المذيع في قناة الجزيرة القطرية أحمد منصور نفس التعليق مع تعديلات طفيفة، ليحصل على آلاف التفاعلات على صفحته في موقع فيسبوك، قبل أن يضطر لتعديله لاحقا.

التعليقات السابقة قرأها ناشطون على أنها محاولة لتسييس كارثة مرفأ بيروت لحساب المشروع التركي الذي يسعى لإعادة فرض أنقرة سيطرتها على المنطقة العربية، لا سيما مع تصاعد التدخلات في أكثر من دولة، كليبيا وقطر والصومال وغيرها. حسبما نشر موقع "العين الإخباري".


غير أن كثيرا من المغردين، ولا سيما من الكويت سارعوا إلى نفي هذه الأقاويل وأوردوا الأدلة التي تقول إن دولتهم تبرعت بمنحة إلى لبنان من أجل بناء الصوامع في مرفأ بيروت بين عامي 1968-1970.
لكن، وفق معلقين، غاب عن الماكينة الدعائية التركية أن المعلومات متوفرة حول تاريخ الصوامع ويمكن الوصول إليها بسهولة، لتكشف ببساطة أن تلك الصوامع بنيت بتمويل كويتي في العام 1968، وفق ما يشير موقع الصندوق الكويتي للتنمية.

وقال باحثون في التاريخ إن الصوامع أو "الإهراءات" كما تسمى في لبنان، لا علاقة لها بالعهد العثماني أو الدولة التركية فيما بعد. حسبما نشر موقع "سكاي نيوز".

قصة الصوامع

ويوضح أستاذ التاريخ العربي الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية، عماد مراد، أن هناك العديد من المعلومات المغلوطة عن تاريخ مرفأ بيروت، التي لا تستند إلى وثائق ولا معلومات تاريخية، مؤكدا أن الحديث عن "عثمانية الصوامع خطأ فادح"

وقال مراد في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" إن بيروت كانت مرفأ طبيعيا منذ العهد الفينيقي، بسبب الطبيعة الصخرية التي تتيح رسو السفن، دون الحاجة إلى إجراء تعديلات في الشاطئ.

وأضاف أن بيروت أصبحت في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان مركزا لبناء السفن.

وظل القمح حتى عهد ما بعد استقلال لبنان يخزن هناك في خيم أو مخازن خشبية أو بلاستيكية، الأمر الذي كان له أضرار صحية، بحسب أستاذ التاريخ.

وفي عهد الرئيس شار الحلو، وتحديدا في العام 1965 اتخذت الحكومة اللبنانية قرار بناء صوامع بيروت، وتولت شركة تشيكية عملية تشييد الصوامع، فيما استمرت عملية البناء 5 سنوات قبل أن تفتتح عام 1970، على ما يقول مراد.

ويضيف مراد إن الهدف من هذا البناء كان حماية القمح من الرطوبة وتفادي دخول القوارض إلى هذه المنتجات، كما أن هذه الصوامع تتسم بأنها دقيقة في الحسابات في البيع والشراء، علاوة على أن المخازن التقليدية لم تعد كافية لاستيعاب الكميات القادمة من منطقة البقاع.

هبة كويتية

يقول مؤسس ورئيس جمعية تراثنا بيروت، سهيل منيمنة، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، إن صوامع بيروت بنيت سنة 1970 بهبة من دولة الكويت، وحضر أمير الكويت حينها، الشيخ صباح السالم الصباح، افتتاحها في ذلك العام.

وأضاف منيمنة أنه قبل تدشين هذه الصوامع وتحديدا منذ سنة 1948 كان يوجد أربعة عنابر صغيرة في المرفأ لتخزين القمح.

واستدعت الحاجة وتزايد الطلب توسيع تخزين القمح، فكانت الصوامع بمنحة من صندوق الكويت.

الإسمنت المسلح لم يكن موجودا وقت العثمانيين

وذكر منيمنة، الذي يعكف حاليا على إعداد بحث عن تاريخ المرفأ، أنه في عهد الدولة العثمانية كانت المراكب تفرغ حمولتها من الحبوب وتنقل مباشرة إلى سوق القمح القريب من المرفأ.

ولفت المهتم بالتاريخ البيروتي، أنه في في العهد العثماني لم يكن الإسمنت المسلح قد اخترع بعد "وهذا ينسف فرضية بناءها في زمن العثمانيين الذي انتهى في المنطقة العربية مطلع القرن الماضي".

ويتفق مع هذا الرأي، الكاتب والباحث في مجال التاريخ، وليد فكري، الذي أكد أنه لم يكن هناك حديث عن وجود صوامع عثمانية مخصصة للقمح بهذا الشكل، سواء في بيروت أو غيرها.

 

تعليقات القراء