سياسة الشيخ الرئيس رجب طيب أردوغان

لا أعلم لماذا تكتب ” أردوغان ” مع أن التركية ليس بها حرف الغين ! كما أن الحرف الذي يظنه البعض جيم لا ينطق جيم مطلقاً في التركية ! ) .

دفقة أخرى من الأمل في مستقبل أفضل بإذن الله ، و من المتعة بالتعرف على بطل طالما حلم بظهوره عالمنا العربي ، و أصبح رجب طيب أردوغان -او اردوان- أحد أبطال زماننا القلائل .

يقول شريف تغيان عن رئيس وزراء تركيا آنه آستطاع دون أن يطلق رصاصة واحدة أو يقوم بآنقلاب أن يطيح بصنم أتاتورك ، و ينال من مؤسسة الجيش التركي الحارس الأمين و المدافع الأول عن مذهبه العلماني المجلل بالقداسة !!

ينقسم الكتاب إلى سبعة أبواب :

الباب الأول : النشأة و الصعود :

و يروي فيه البداية في يوم 26 فبراير 1954م و هو يوم مولد أردوغان ، و قد ولد في حي شعبي فقير بالجزء الأوروبي من أسطنبول ، كان والده يعمل في سلاح خفر السواحل التركي ، و رباه هو و باقي إخوته الأربعة تربية إسلامية ملتزمة ، و أبدى الصبي من صغره ذكاء و قوة في المنطق و وضوحاً في الرؤية جعلت أحد أساتذته يطلق عليه لقب : الشيخ رجب .

يحكي الكاتب موقفاً حدث لرجب في الأبتدائي عندما سأل مدرس التربية الدينية عن من يستطيع أن يرى زملائه في الفصل كيفية الصلاة ، و رفع رجب يده ، فقام المدرس ليفرش صحيفة على الأرض للطالب ، فما كان منه إلا أن رفض الصلاة على الصحيفة لما عليها من صور لنساء سافرات ! خلال فترات تعليمه المختلفة كان آردوغان يساعد أباه في مصاريف دراسته فكان يبيع شراب الليمون و البطيخ بشوارع آسطنبول .

يرى الكاتب أن تجربة أردوغان في رئاسة بلدية آسطنبول هي بدايته الحقيقية في إثبات قدرته على أنه رجل أقتصاد و سياسة ملهم و مبدع نجح على مدار أربع سنوات ( 1994-1998 ) في انتشال المدينة من الإفلاس و حل الكثير من مشكلاتها مثل إنقطاع المياه و الكهرباء و تفشي القذارة ، و عندما سألوا أردوغان عن نجاحه في تخليص البلدية من ديونها قال : لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه .. أنه الإيمان و لدينا الأخلاق الإسلامية و أسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة و السلام ، لكن نجاحه المبهر لم يشفع له عند القوى العلمانية التي أتهمته بإثارة المشاعر الدينية لدى الشعب عندما تلى بعض أبيات الشاعر التركي ضياء اوك ألب :

مساجدنا ثكناتنا .. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا .. والمصلون جنودنا… هذا الجيش المقدس يحرس ديننا.

فكان مصيره السجن 10 شهور و الحرمان من ممارسة أي نشاط سياسي !

الباب الثاني : سياسة مؤذن اسطنبول :

يمكن إختصار سياسة أردوغان فيما كتبته مجلة الإيكونوميست ، بأنها سياسة توصلت إلى حالة ” صفر مشاكل ” مع جميع دول الجوار بما فيها طبعا اليونان ، و إيران، و العراق ، ثم تأتي معركته الكبرى و هي الأقتصاد التركي المهترئ الذي أستطاعت حكومة العدالة و التنمية في سبع سنوات تخفيض نسبة التضخم من 70% إلى 10% ، و إرتفاع متوسط دخل الفرد من ٣٠٠٠ دولار إلى ما يقارب ١٠٠٠٠ دولار ، فارتفع مرتبة الاقتصاد التركي ليحتل المكانة 16 على مستوى العالم و السادسة على مستوى أوروبا .

 كان دوره الكبير في حل المشكلة الكردية التي كانت سبباً في مقتل عشرات الآلاف في الثمانينات … فما كان منه إلا أن أضعف النهج الأمني في التعامل مع القضية و افساح المجال أمام العمل السياسي ليأخذ حيزاً أوسع بعيداً عن تأثير الجيش .

الباب الثالث : تحطيم الصنم :

يتناول الكاتب في هذا الباب كيف استطاع أردوغان تقليم أظافر العسكر داخل تركيا ، و إعادة الإسلام التركي شيئاً فشيئاً دون عنف و إنما بالقانون ، حيث دأبت حكومة أردوغان على إجراء تعديلات دستورية وصلت إلى وضع تصرفات الجيش المختلفة تحت رقابة و محاسبة البرلمان و الأجهزة الدستورية .

إستطاع حزب العدالة و التنمية إعادة الهوية الإسلامية لتركيا بسياسته التي تجمع بين إحترام علمانية الدولة التركية و إلتزام الليبرالية الاقتصادية و ديناميات السوق الحرة الدافعة بتركيا نحو إندماج غير مشروط في زمانية العولمة من جهة و رؤى إجتماعية و ثقافية و أخلاقية محافظة تعود في الأساس إلى مرجعية الحزب الإسلامية من جهة أخرى .

الباب الرابع : الثورة الأردوغانية :

يتناول فيه الكاتب بشكل أكثر تفصيلاً ما فعله أردوغان و حكومته من أنقلاب دستوري .

الباب الخامس : من الحلم الأوروبي إلى الواقع الإسلامي :

 تناول السياسة الخارجية التركية و كيف أصبحت تركيا داعمة للحقوق العربية ، ثم الأمتداد التركي إلى قارات العالم كافة .

الباب السادس : من الشراكة إلى الصدام :

يتناول الكاتب بكثير من التفاصيل العلاقات التركية الأمريكية في ظل حكم حزب العدالة و التنمية ثم العلاقات التركية الإسرائيلية حتى مأساة قافلة الحرية التي توجهت إلى غزة في مايو 2010 .

الباب السابع : وثائق و صور :

جمع فيه الكاتب مجموعة من أهم خطب أردوغان و صوره في مختلف المناسبات .

هو كتاب شديد الثراء في معلوماته التفصيلية عن الكيفية التي أصبح بها رجب طيب أردوغان بطلاً قومياً ليس بتركيا فقط بل للعالم العربي ، وربما الإسلامي كذلك … ليس بالقوة و لا بالسحر و لا بالثورية الفارغة ! .

أتصور أن شعوب الربيع العربي بشكل عام و المصريون بشكل خاص يهمهم قراءة مثل هذه التجارب الناجحة التي تثبت أنه لا مستحيل على من لديه رؤية و إرادة ، هذا الكتاب أكد على حقيقة هامة .. إن هناك فرق كبير بين أن تثبت وجودك و أن تثبت نجاحك … فالثانية تحتاج إلى قدر أكبر بكثير من الحكمة و طول النظر و آثارها أعمق .. بعكس الأولى ، كما أن الثانية لابد و أن تؤدي إلى الأولى .. و لكن العكس غير صحيح .

تمنياتي بقراءة ممتعة .

الكتاب صادر عن دار الكتاب العربي في 335 صفحة من القطع الكبير .

تعليقات القراء